تُطلّ غابة متحجرة من عمق الزمن في قلب الصحراء السعودية، وتحديدًا في موقع "حزم أبو رويس" الواقع شرق مركز العجلية بمحافظة الأفلاج، حيث تنتشر جذوع وأغصان متحجرة لأشجار تعود لملايين السنين، في مشهد جيولوجي نادر يخطف أنظار الزوار والمستكشفين وهواة الرحلات البرية. هذا الموقع الذي يبعد نحو 40 كيلومترًا عن العجلية، تحول إلى وجهة مفتوحة على أسرار الأرض القديمة التي حفظتها الرمال والرياح والأنهار الجافة.
إقرأ ايضاً:السعودية تفتح الباب لفرصة استثنائية عام 2025.. برنامج جديد يغيّر قواعد الإقامة للأبدقفزة جنونية في قلب الرياض.. محل صغير يتحول إلى ثروة بملايين الريالات خلال 3 عقود!
وتتوزع الجذوع المتحجرة في الموقع على طبقة رسوبية مميزة، غطّتها طبقات صخرية تنتمي إلى العصر البرمي المتأخر، بحسب ما يراه بعض الجيولوجيين المختصين. ويُلاحظ من مسافات بعيدة اللون البني الداكن المائل إلى السواد الذي يميز تلك الطبقات، ما يضفي على الموقع طابعًا بصريًا استثنائيًا. وتُشير التكوينات الظاهرة إلى بيئة غنية عاشتها المنطقة قبل أن تغمرها التحولات الجيولوجية والمناخية.
وتعود هذه الأشجار إلى سلسلة من الغابات المتحجرة التي تمتد على مسافة تصل إلى ألف كيلومتر، تبدأ من منطقة المستوي في القصيم وتمتد حتى تخوم الربع الخالي، في دلالة على وجود نظام بيئي متكامل كان يملأ المكان قبل أن يتحول إلى صحراء قاحلة. وتنتشر الأنهار الجافة والمجاري القديمة للمياه في تلك المنطقة، مما يعزز من فرضية أنها كانت أرضًا خصبة تحف بها الأنهار والغابات الكثيفة.
ويشرح الخبراء عملية التحجّر باعتبارها نتاجًا لتفاعلات طبيعية معقدة، تبدأ حين تطمر السيول الجارفة الأشجار تحت كميات هائلة من الترسبات، مانعة عنها الأكسجين والبكتيريا، فتتوقف عملية التحلل العضوي. بعد ذلك تبدأ المياه المشبعة بالمعادن في إذابة الأنسجة النباتية واستبدالها بجزيئات غير عضوية مثل السيليكا والكالسايت، لتتحول الشجرة ببطء إلى تمثال صخري محفوظ في قشرة الأرض، حتى تكشفها الرياح أو التنقيبات بعد آلاف أو ملايين السنين.
وتسهم هذه الاكتشافات في تعزيز فهمنا للحقب الجيولوجية القديمة التي مرّت بها شبه الجزيرة العربية، كما تفتح الباب أمام استثمار الموقع كوجهة سياحية علمية يمكن أن تستقطب الزوار من داخل المملكة وخارجها. ومن المنتظر أن تسهم دراسات أعمق في هذا الموقع في تقديم رواية متكاملة عن تاريخ المنطقة البيئي والجيولوجي، ما يرفع من قيمته التراثية والعلمية في آنٍ معًا.
